الجزائر تشهر ورقة الطاقة.. ماذا بعد ؟
أفاد مراسل روسيا اليوم في الجزائر بأن السلطات الجزائرية تتجه نحو توريد الغاز مباشرة إلى إسبانيا عبر "ميدغاز"، والاستغناء عن الأنابيب العابرة للأراضي المغربية. هذه الخطوة تأتي في سياق المنحى التصاعدي الذي سلكته الجارة الشرقية، و االإصرار على معاكسة المصالح المغربية، و عدم التجاوب مع المبادرات البناءة، و الودية لخفض التصعيد، و مضت وسائل الإعلام الجزائرية في تعداد خسائر المغرب في حالة عدم تمديد خط الأنابيب الذي يربط حقول الغاز الجزائرية بإسبانيا و البرتغال مرورا بالمملكة، و الذي ينتهي الاتفاق بشأنه في 31 أكتوبر من السنة الجارية، هذا في الوقت الذي تعاطت فيه المملكة بشكل برغماتي، و أظهرت المرونة الكافية، من باب الحرص على عدم الإضرار بمصالح الشعب الجزائري، و الشركاء الأوروبيين.
الرهان على الحرب الاقتصادية لن يركع المغرب بل سيتسبب في خسائر في الاتجاهين، و استشرف المغرب حرب الطاقة بخطوة في اتجاهين من جهة تثمين الموارد الطاقية الوطنية الواعدة التقليدية منها و المتجددة، و من جهة ثانية التسريع في مشروع خط غاز نيجيريا المغرب الذي سيؤهل المغرب ليكون نقطة و صل بين افريقيا و أوروبا ، و هو مشروع واعد لن تنحصر جدواه على المغرب بل على اوروبا، و التخلص بالتالي من الارتهان للغاز الروسي ، و جبت الاشارة أن من مصلحة إسبانيا المستقلة عن الغاز الروسي لأكثر من أربعة عقود ان يستمر الامداد عبر المغرب ذلك أن الجزائر التي تعتبر أكبر مصدر للنفط والغاز إلى أوروبا ليس من المستبعد ان تنسق سياستها الطاقية مع الروس، لهذا يبقى المغرب هو الضمان، و المفتاح لتنويع مصادر إمدادات الغاز الأوروبية، و الطاقية بصفة عامة.
عموما رغم أن البعض يرى أن القرار الجزائري بات في حكم المؤكد، إلا أن الوقت لا زال ممكنا أمام الدبلوماسية ، رغم أن الأمل في ظل الوضع الحالي أصبح ضعيف جدا، و أن القليل يمكنه عمله في ظل رئيس الدبلوماسية الجزائرية الذي اعتبرت أوساط مغربية تعينه دليل تصعيد.
فهل سيقف التوتر عند "حرب الطاقة"، ام ستنزلق إلى الحرب إذا تمادت الجزائر ؟.
يميل البعض إلى ترجيح وقوع حرب بين البلدين، و أن جملة هذه الخطوات تمهد لمواجهة عسكرية لكن بالرغم من الإشارات السلبية جدا التي تبعثها الجزائر، إلا أن حدوث مواجهة مباشرة غير واردة لعدة اعتبارات منها توازن "الردع" بين البلدين، و الاقتدار الذي ابان عنه المغرب، منذ مناوشات الكركرات أعطت الإشارة إلى استعداد المغرب لأسوء السيناريوهات. من جهة أخرى القوى العظمى و في مقدمتها روسيا و الصين تبدي اهتمام متزايد بالبلدين، سيما و أن تقارير أمريكية رصدت أن المملكة تتوفر على بنيات لوجستية تستغوي طريق الحرير الصينية الجديدة او ما بات يعرف بمبادرة الحزام والطريق، لعل الإشارة القوية التي تعبر عن هذا الإجماع الأممي قادمة من الأمين العام للأمم المتحدة الذي أبدى اهتماما واضحا بالوضع، و شجع الأطراف على إصلاح العلاقات. و ينظر الغرب بقلق إلى القطيعة المعلنة من جانب واحد باعتبار البلدين شركاء استراتيجين موثوقين و لانعكاسات هذا الوضع الشاذ و تداعياته على مصالحه الحيوية في الإقليم.
إلى ذلك تستمر الجزائر في سرديتها في تبرير خطواتها التصعيدية بإعتماد نظرية "المؤامرة"، التي تستهوي البعض العربي، و في هذا المنحى ذهب أندريه ياشلافسكي، في "موسكوفسكي كومسوموليتس"، في مقال له حول دور إسرائيل في تأجيج الخلاف بين الجارين العربيين.
لكن هذا الطرح لا يصمد أمام إصرار المغرب على تطبيع المغرب مع الأشقاء، و إقامة الحجة في كل مناسبة ، و من جهة أخرى تصريف الأزمات الداخلية بات معلوما لدى المتابعين و المراقبين، في السياق اعتبر استاذ التاريخ في جامعة باريس 1 بيار فرمران المتخصص في منطقة المغرب أن“إعادة تموقع حول مبادئ القومية العربية في مقابل الجميع: مقابل فرنسا وإسرائيل وقضية القبائل والإسلاميين، ودعما للوحدة العربية واتحاد المغرب العربي والفلسطينيين” مشيرا إلى ان هذه رسالة “للاستهلاك الداخلي”.
الجزائر مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى استحضار المشترك، و المصالح القومية، و حق الشعبين و الأجيال المستقبلية في تحقيق الحلم المغاربي لالتكامل و الإندماج الاقتصادي، ذلك أن أي مسعى يخالف منطق التاريخ و الجغرافيا سيكون جناية في حق حاضر و مستقبل المنطقة.